هو العالم والشاعر الشيخ الشيباني ولد محمد لحمد النجمري رحمه الله، رئيس دائرة الإفتاء بأبوظبي من سنة 1977 حتى تقاعده 2001م.
كان الشيخ الشيباني رحمه الله في أول دفعة رسمية من المعلمين إبان نشأة الدولة الموريتانية، فزاول التدريس في مناطق لبراكنه وكوركل قبل أن يكون ضمن أول دفعة للمفتشين مبتعثة إلى عين شمس في مصر، ليتكون هناك على أساليب التربية الحديثة ويرجع إلى البلاد عام 1966م ويؤلف كتاب "دليل المعلم" .
دخل سلك التعليم 1955م في أول مسابقة أجريت في فترة الاستعمار وصححت في باريس وكان من المتفوقين فيها.
1956م كان معلما في مقطع لحجار
1960م نجح في مسابقة القضاء ففضل البقاء في التدريس بعد طلب وإلحاح من "العكاري" وهو لبناني من مدينة عكا أشرف تطوير التعليم النظامي في موريتانيا.
في سنة 1964م تم ابتعاثه إلى كلية التربية في جامعة عين شمس للاطلاع على أحدث المناهج التربوية، حيث التقى هناك بكبار أساتذة التربية والتعليم في مصر واستفاد من خبراتهم، ثم عاد سنة 1966م إلى موريتانيا ليقدم ما استفاد من خبرات وتجارب لقطاع التعليم في بلده الذي كان طور النشأة، ملخصا خبرته التي تحصل عليها في عين شمس في كتابه السالف الذكر، ليعين المعلم ويشرح مناهج وأساليب التدريس الحديث واعتمدته وزارة التعليم حينها.
طاف أرجاء مصر وتحركت قريحته الشعرية الفذة فأنشد يقول، حينما زار مدينة بور سعيد التي هي رمز المقاومة حينها، والتي جرى على أرضها العدوان الثلاثي الغاشم، فأنشد:
أمل النصر لاح لي من جديد يوم زرت الأبطال في بر سعيد
ووقفنا بنصب تذكار قوم قدموا للبلاد خير شهيد
هزموا العدوان الثلاثي لما زحفوا نحونا بجيش مديد
سنبيد اليهود سحقا وإنا في تحد لمن وراء اليهود
كيف لا كيف وشعب فلسطي ن يعاني مآسي التشريد
حلفاء اليهود موتوا بغيظ وحدة العرب ما لها من محيد
من خليج شرقا إلى موريتاني جمع الشمل حول رأي سديد
وطن واحد لا ثغر فيه وطن العرب ماله من حدود
بعد عودته من مصر سنة 1966م عين مفتشا للتعليم تتبع له ولايتي لعصابة وكيدي ماغه.
ولم تأخذه -رحمه الله- أبهة الوظيفة وسمو شأنها، بل كان حريصا على تفتيش المحتوى والنظر في أساليب وطرق التوصيل، يتتبع دقائق أمور التلاميذ والمعلمين ويسأل عن أحوالهم ويسهر على شؤونهم، ومن الطرائف في مجال اعتنائه بكل جوانب العملية التربوية وما يحيط بها، ما يروى عن القاضي محمد لمين ولد الطالب عبد الله رحمه الله، حين قدم عليه الشيخ الشيباني رحمهما الله لمهمة تفتيش، فزار القسم الداخلي وأخذ ينظر بدقة في تفاصيل الوجبات المقدمة للتلاميذ والصحون التي تقدم لهم فيها، فأبدى الشيخ الشيباني رحمه الله ملاحظاته إلى مدير المدرسة حينها القاضي بعد ذلك محمد الأمين ولد الطالب عبد الله حول كمية وكيفية الوجبات المقدمة، فرد عليه محمد الأمين رحمهما الله، قائلا: : أنت مفتش على لمراجن ول مفتش تربوي ؟ فضحك الجميع وكانوا يوردون هذه القصة من باب اعتناء الشيخ المفتش حينها رحمه الله بكل تفاصيل مهنته الموكلة إليه.
وفى سنة 1970م عين مفتشا جهويا في لعصابة وواصل عطاءه مصدرا مؤلفات في المناهج التربوية.
وفى سنة 1973م عين مفتشا جهويا في كوركل ليستقر هناك حتى ابتعاثه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1977م ضمن وفد تولى مهمة الإفتاء الشرعي بدولة الإمارات فكان رحمه الله رئيس دائرة الفتوى بأبو ظبي حتى تقاعده سنة 2001م.
وكان رحمه الله فوق مهامه الإدارية التي شغل شاعرا ومفتيا ومنفقا شيد الكثير من المساجد وكفل آلاف الأيتام ورعى ضعاف الأسر في موريتانيا.
وكان خير سفير للبلد وربطت موريتانيا عن طريقه وغيره من بعثة الإفتاء علاقات قوية بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن أشهر تآلفيه كتابه تبيين المسالك إلى أقرب المسالك الذي يعتبر أول تأليف يؤصل فقه مذهب مالك بالدليل ويقارن بينه وبقية المذاهب، فنال تقاريظ فطاحلة علماء موريتانا والعالم.
ومن ذلك تقريظ المختار ولد حامد العلامة المؤرخ رحمه الله:
تدريب سالك نهج مذهب مالك لفضيلة العلامة الرباني
عبد العزيز فقيه آل مبارك والشرح شرح فقيهنا الشيباني
الفقه كل الفقه في جوفيهما فهما لباقي صيده فروان
في أول الفروين مذهب مالك وترى المذاهب كلها في الثاني
من هو هذا الشارح الموريتاني أهو ابن رشد أم هو الشعراني
إلا يكن إياهما فلقد جرى مجراهما في منطق وبيان
فكتاب تبيين المسالك جامع ما في البداية جاء والميزان
ونقول فيه باختصار إنه بحر وفيه تجمع البحران
ونأخذ أبياتا من القصيدة الرجزية الطويلة للشاعر القاضي المفتي السوداني الشيخ الجيلي أحمد المكي:
أهدي إلى عالم موريتان المالكي الجهبذ الشيباني
قصيدة من غرر البيان وذات تصريح من السودان
قرأت في التبيين في إمعان أصول مالك بلا نقصان
بالضبط والتخريج يوضحان أدلة السنة والقرآن
ومن مؤلفات الشيخ الشيباني ولد محمد لحمد رحمه الله:
تبين المسالك شرح تدريب السالك على أقرب المسالك
شرح على ألفية بن مالك
التعريف بالمجتهدين والمحدثين
منظومة في تاريخ الأدب العربي على مر العصور
ديوان شعر
وله عديد البحوث والفتاوى في قضايا فقهية معاصرة، صدرت في مجامع فقهية، منها:
حكم من يجمع بين الصلاتين وهو حاضر
حكم من فاتته ركعتان من صلاة رباعية
حكم صلاة الجمعة بالنسبة للمساجين
حكم إخراج زكاة الاحتياطي القانوني والاختياري للاتحاد الدولي
ما حكم ما يثبت به هلال رمضان
المفطرات، تناول فيه جملة من القضايا المعاصرة (المذكرة الطبية في المفطرات وموقفها مما اختلف فيه الأئمة)
حكم التفاضل وعدم المناجزة في العملات
صرف أموال اليتامى في أوجه الخير الأخرى
وفي هذا اليوم الموافق لعيد المعلم نسأل الله أن ينزل شآبيب رحمته على قبر الشيخ الشيباني ولد محمد لحمد الذي انتقل إلى جوار ربه يوم 23 يناير 2006م، فعم الحزن أرجاء الوطن والعالم الإسلامي فترجم الشعراء حزنهم شعرا يفيض محبة للشيخ وسيرته، ومن ذلك مطلع قصيدة الأستاذ أبوبكر ولد سيدي الشيخ:
لو للأنام على المنون يدان ما كان سلب محمد الشيباني
ومنها ما رثاه به نجله الدكتور عبد الرحمن:
الدم يجري سخيا من مآقيه والشعر يسأل كيف اليوم أرثيه
العين دامعة والنفس واجمة والقلب فيه من الأحزان ما فيه
لم تف العرض الفاني قصائده ولا اقتفت أثر النعمى قوافيه
يا والدي عجبا بالأمس كنت ندى على الفؤاد فكيف اليوم تصميه
والشعر دمع وأحزان وعاطفة هل ترجم الشعر عني ما ألاقيه
رثي رحمه الله بمراثي كثيرة من شعراء وعلماء الوطن.
في يوم المعلم نستذكر الجيل المؤسس والرعيل الباني ونقف وقفة ترحم على أرواحهم الطاهرة فنبكي ونستبكي شوقا لمجد وطن لم يدخروا جهدا من أجل تأسيسه فماذا قدمنا لهم؟ فلا مدارس ولا جامعات ولا مؤسسات كبيرة تحمل اسم الشيخ الشيباني ولد محمد لحمد والمختار ولد حامد ومحمد الله ولد الصديق وغيرهم كثير، وفى أحسن الأحوال يسمى على بعضهم زقاق لا يهتدي إليه وكأننا نريد أن ندفن ذكراهم في ذلك الزقاق.
